التماوج النفسي بين الواقع و لغة الشعر
قراءة في ديوان معالي الروح للشاعرة زينب
الشاذلي
بقلم
جابر الزهيري
كان
من الأسئلة التي شغلت الكثيرين و لا زالت تشغلهم و ستظل هو سؤال ماهي الروح ؟؟ و
مما تتكون ؟؟ و هل هي التي تشعر أم الجسد ؟؟ و لو كان الجسد وعاء للروح و يموت
بدونها فكيف تموت الروح بداخل الجسد لدى البعض بموت إحساسهم ؟؟ و لماذا كانت هي
القيمة الكبرى في الإنسان فوصف الله المسيح أنه روح الله ؟؟ و لماذا عظمها
الفراعنة و اهتموا بها و جعلوا ( كا ) هي مصدر الثواب و العقاب في محاكمات البعث
المتخيل لديهم و تقسيمهم لها في قسمين أرواح طيبة و أخرى شريرة و لماذا
جعلها الله سرا أبديا فقال لرسوله في
القرآن " و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي "
كل هذه الأسئلة و غيرها دار في ذهني عند
قراءتي لمجموعة معالي الروح فالعنوان هو أول عتبات النص المعروض للنقد
عندما
يكتمل إحساس المبدع بحالته الشعورية بدرجة تجعله لا يستطيع إلا أن يعبر عنها بما
أوتي من ألوان الإبداع , يتحقق له العديد من عوامل نجاح تجربته الإبداعية سواء
كانت شعرا أم سردا أم رسما أم أنغاما موسيقية ؛ فيخرج العمل في صورة تصل لإحساس
المتلقي مباشرة و كأنها تعبير صادق عن ما بنفسه هو
و
طالما تأثر المتلقي بأشعار وصلت إليه في أسوب غنائي ( و ربما لم يكن بثقافيه لا
يعي بعض معانيها لكنها لامست إحساسه ) فشعر و كأنها تقصده هو و تقول ما لا يستطيع
التعبير عنه باللغة
فالشاعر
هو مرآة لأحاسيس نفسية داخل كل متلقى يكشف عنها الستار في نصوص أدبية يتماوج فيها
الحس و اللغة بالواقع و المجتمع فيأخذ من واقعه و مجتمعه تأثره بالثقافات السابقة
من تراث شعبي و تراث ديني و تصوير البيئة المقيم بها ليشكل لوحته النفسية المعبرة
عن مكنونات ذاته بمفردات راسخة بذلك المجتمع في لغة جميلة بسيطة تصل للمتلقي
و
عن الإحساس الأنثوي تجاه العاطفة كتب العديد و العديد من المبدعين سواء كانوا
ذكورا أو إناث ؛ فتميز كل مبدع في الرسم بلغته و إحساسه لوحات تحمل بصمته
الإبداعية ( إلا أنه قد تكون الكتابة بلسان الأنثى تحمل بعضا من التحرج عند بعض
المبدعات فتجعلها لا تعبر بحرية نظرا لتقاليد مجتمعها و نظرة البعض إليها ) فتلجأ
للرمز لتخرج به من دوائر الحرج و عدم المساس بتابوه العاطفة الذي يحاط بألف سياج
خاصة في بعض المجتمعات العربية
و في الديوان محل القراءة نجد أن الواقع و
المجتمع قد فرضا على المبدعة ألوان الطبيعة الريفية فنجد مفردات البيئة الزراعية مثل سنابل قمح و
الرحايا و النخيل وغير ذلك و بعضا من تراثها الفكري المتوارث عبر التلقي الشفاهي
كمعاني لبعض الأمثال الشعبية في لغة رقيقة
بسيطة تصل لإحساس المتلقي في رقي و سمو روحي جميل فنجدها قد اتخذت لنفسها رمز
الروح و تألقت في لغة متميزة و مفردات خاصة بها في أغلب قصائد الديوان فنجدها تقول
واصفة نفسها لتؤكد أن خطابها تهويمات روحية بالإحساس
أنا السحر اللي خاطفهم
و دافنة السر
ف المعجم
حروفه لما تترجم
تلاقيها
ف باب الروح
و كذلك أيضا تقولها بكل جلاء و وضوح في نفس
القصيدة التي تحمل اسم المجموعة معالي الروح أيضا عن نفسها
أنا روح..........كل النساء
أنا الكلمة اللي معناها
ا
ش
ت
ي
ا
ق
تفاصيل ف قمة اﻻحتياج
لمشاعرك المؤمنة
بعقيدة العشاق
وأنت ربان السفينة
أما. ...أنا
موجه ومنبعها اعتلاء
و كذلك في كل عاطفتها تحتاج للروح فالحبيب
عندها روح تلاقت مع روحها في ذلك المسار الروحاني الذي تسلكه الأرواح حال نومها
فتتجاذب أو تتنافر و هذا يؤكد تأثرها بالتناص الفكري للموروث الديني في الحديث
الشريف " الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أأتلف و ما تنافر منها اختلف
" فتعبر بصوت الأنثى عن أحاسيسها العاطفية في الحالتين ( التعارف و التنافر )
متحدثة مع روح الحبيب و ليس شخصه
عاوزة أخرج
برّه حدود
كل الأشياء
تتراجع كل الأحاسيس
إلا الأشواق
أنا عاوزة أنصّب نفسي نموذج
للعشاق
و اوصف كيف الروح
تشتاق
و تسير في منهجها الذي رسمته للمجموعة الشعرية في كل القصائد بلا
استثناء كحالة متفردة من عشق الروح ليس للمحبوب ( الرجل ) و فقط و لكن روح العشق
للأم تتلبسها في مشاعر متناهية الرقة و بأسلوب يشع إحساسا يشى بأعلى درجات العشق
لتلك الروح التي احتوت روحها
لما جربت الأمومة
و شلت هم الكون بحاله
لما جرب قلبي يبكي
حال وجوده
و ارتحاله
لما ينزف من حنانه
لما يضنيني يا أمي
بعد ابني
وروحي مشتاقة لجنانه
بفتكر ساعة ما سيبتك
و كذلك عندما تتحدث عن عشقها للوطن فهي تناجي
روح الوطن من خلال لوحات و صور جزئية تتشابك في إطار يحولها للوحة كلية و نجد ذلك في قصيدة نغم التي قسمتها إلى مقاطع
متعددة بصور رائعة يجمعها إطار الصورة المتناغمة في حالات الروح العاشقة بفنيات
عالية من اللغة و التصوير البلاغي سواء الاستعارات و الكنايات أو موسيقى السجع في
القوافي التي تمنح النص بعضا من الغنائية الرقيقة دون تحويلها من شعر التفعيلة إلى
الزجل أو كوبليهات الأغنية مع الحفاظ على الموسيقى الداخلية للنص من خلال الأوزان و
دون الخروج عن أعراف المجتمع العربي في حديث المرأة العربية عن العشق
و بحق فالديوان
حالة شعورية متفردة لشاعرة تعي كيف ترسم احساسها في كل حالاتها الانفعالية كبشر
يفرح و يغضب ؛ يعاتب و يسامح ؛ يقبل و
يدبر في رمزية جعلتها طريقها في كل المجموعة ألا و هي الروح لتؤكد قيمة التسامي و
الرقي لكل مشاعر البشر و إن اختلفت
تحية للشاعرة التي تثبت تميزها و للمزيد من الإصدارات الراقية
تحية للشاعرة التي تثبت تميزها و للمزيد من الإصدارات الراقية