فلسفة المشاعر بين الحب و الحرب
قراءة في رواية جابر للأديبة نجلاء محرم
بقلم جابر الزهيري
عضو اتحاد كتاب مصر
قيل أن النوم يصعب على نوعين من البشر هما الخائف و الجائع فلا يستقر لهما جفن و لا تقر عين إلا بالأمن أو بالطعام و ذلك ربما أخذ اقتباسا دلاليا للمعنى في قول الله تعالى في سورة قريش ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) فكيف لخائف جائع ينتظر الموت في كل لحظة أن يستشعر الحب ؟ و في حالات الحروب عامة يتنشر الهلع و الخوف بين الجميع سواء بسواء في الفريقين مما يجعل حالة الترقب للخطر المداهم جلية في توترات نفسية و سلوكية تذهب النوم من العيون و كذلك ما يترتب على الحروب من حالات الفقر و العوز الذي يساعد على انتشار المجاعات بين الفرق المتنافسة مما يؤثر سلبا على المشاعر الإنسانية التي تنتشر طبيعيا في الأزمنة الخالية من الحروب يساعدها الأمن و الرخاء و لكن للكاتبة رأي ذو فلسفة خاصة و هي الانتصار بالحب على كل صراعات الحياة
و في فترة تاريخية حددتها الكاتبة للزمن في روايتها و هي زمن الحرب بين الدولة المملوكية و السلطنة العثمانية و ما كان منتشرا من سلب و نهب قبيل الحرب و فرار أسر بأكملها بعد تشريدها و التعرض لحرمتها من اغتصاب و قتل و غيره في جهة و في الجهة المقابلة الصراع الدموي على العرش بين الأخوة الأشقاء و مواجهات صريحة لخيانات التابعين أو اعتراضات رجال الدين أو تذمر الجند و غيرها للفوز بالسلطنة ؛ نجد فلسفة خاصة تريد الكاتبة الانتصار لها و بها و تريد أن تكون محورا لروايتها و هي فلسفة الحب بين البشر و قد أعلنت عن وجهتها تلك منذ بداية أول صفحة في الرواية ( سلام من النيل للبسفور ) و ما ذكرته على لسان السلطان سليم الأول أن سجادة صلاة واحدة تتسع الصوفيين و لكن ملك الدنيا كلها لا يتسع الا لملك واحد
و تبدأ في سرد روايتها التاريخية الرومانسية الاجتماعية بفنيات الكاتب المحترف فها هي تنتقل بالحدث من مصر لتركيا و من حي الأزهر لإسطنبول في توازن و توازي و وصف على لسان راو لا يحدث المتلقي قدر ما يحدث أبطال الرواية و كأنه صوت داخلي واحد يسير في جميع الشخوص و منذ المشهد الأول لتلك اللوحات الفنية التي تصفها سردا لتصب الحياة في الشخصية على الورق فتتحرك أمام القارئ مفعمة بالحياة و نكاد نراها و نستشعر ما يعج بداخلها من مشاعر متباينة فنجد البطل الرئيس في الرواية و الذي من اسمه سميت ( يعدل عمامته ليسير بابتسامة يألفها الجميع و ينتظرون ردها لتدب الحياة بينهم بتحية الصباح )
ذلك الذي امتلك ناصية قلوب البشر في منطقة الأزهر بالقاهرة فكيف به مع زوجة يعشقها و ولد وحيد هو أمله في الحياة ؟ و أخذت من صفة الاسم الكثير لتضيفه للشخصية نفسها فهو (جابر ) يجبر بخاطر كل من يقصده جابر بقلب تلك الصبية الصغيرة التي تزوجها جابر بقلب الفارين من ويلات الحروب جابر بقلب المحارب الأجنبي الذي يعاني وحشة الاغتراب عن أسرته .... و كأنه البلسم الشافي لكل هؤلاء بلمسة الحب التي تشع من ابتسامته
و ليس كل من يكتب الرواية التاريخية يجيدها فنيا فالأديب ليس مؤرخا و لكنه يحاسب لو أخطأ في الأحداث التاريخية أو اغفلها و لكنه لابد له من سمات و فنيات العمل الأدبي الذي يسير متوازيا مع الحدث التاريخي فنجد الأماكن و الأزمنة و الأحداث كما وردت تاريخيا بشخوصها مع سرد أدبي يصل بالوصف لنفس مستوى رسم الشخصيات الخيالية التي ابتدعها المؤلف ليلقي بها في غمار الزمان و المكان دون إقحام للتاريخ أو تبديل حدث بأخر أو شخصية تاريخية بغيرها في حرفية عالية فنجد التعامل النفسي مع شخصيات الأمراء المماليك و كل أمير منهم بما يتناسب مع شخصيته التاريخية و ما حدث منه بمبرر درامي مناسب و رجال البلاط العثماني و صراعات كل فريق و خططه و نتائج و مواقع المعارك بنفس التنامي الشخصيات الخيالية و المعالجة النفسية لكل شخصية ممن لم يذكر التاريخ عنهم سوى انتصارات أو هزائم و ربطها بالواقع الفعلي لأحداث أثرت في الحضارات الإنسانية لتجعل رسالتها الأساسية في الرواية انتصارا للحب في مواجهة الحروب والصراعات مهما اختلفت أهدافها فلكل حرب و لو كان المحارب منتصرا ضحايا من قتلى و مصابين
لعبت الكاتبة على وتر الحب بين كل شخوص روايتها الذين تم إضافتهم التاريخي بإبداعها لهم بداية من جابر و زينب و قصة الحب و الوفاء بينهما و عطفهما على كل من يحتاج إلى العطف و الحب من البشر رغم عدم سابق تعارف أو صلة وفي المقابل أصلان و مهتاب رغم عدم تصريحه بحبها و التعلق الوجداني بين فرحات و زوجته بابنة جارهما و تعلق البنت بأبوين أخرين رغم وجود الأب و الأم و تلك اللمحة التي أشارت إلى الحب الإنساني في علاقة جابر بفيليب و رفاقه من معتنقي الديانات الأخرى لتؤكد على أن الحب هو الانتصار الحقيقي للبشر فبالحب صار للبطل مملكته و رعاياه في اسطنبول والقاهرة رغم موت من أخذ العرش بالحرب و و جعل احتفالات النصر يجاورها أنين اليتامى و بكاء الأرامل
كذلك الاغتراب النفسي لدى الشخصيات جميعها كأنها فرقة موسيقية تعزف لحنا واحدا تموج أنغامه حنينا للعودة فالجنود في اغتراب لا يعرفون متى العودة منه و السلاطين و الأمراء في اغتراب الصراع و الخوف من الأتي لا ينعمون بسلطتهم و البسطاء في اغتراب مع النفس و الحاجة و لا شأن لهم بصراعات الأمراء إلا خوفا من تأثر معيشتهم و هروبهم من مكان لأخر و لكن من أجبر على الاغتراب و في صدره الانتصار بالحب و للحب بدد كل صراعات الاغتراب النفسي و عاد ليجد ثمار الحب التي بذرها قد أينعت في شاب يحمل كل صفات البطل و البطلة بل أخذ الاسم أيضا في نداء البعض ليبدأ رحلة المستقبل دون إرغام عليها ليعود بحب جديد يستكمل الحياة به بين صراعات تاريخية جديدة و حروب لا تنتهي إلا عندما يعيش الجميع بقلب أيقن أن الانتصار الحقيقي هو الحب و فقط
كل التقدير للمبدعة التي تغلبت على كل عقبات التأريخ لحقبة زمنية بالانتصار للحب
قراءة في رواية جابر للأديبة نجلاء محرم
بقلم جابر الزهيري
عضو اتحاد كتاب مصر
قيل أن النوم يصعب على نوعين من البشر هما الخائف و الجائع فلا يستقر لهما جفن و لا تقر عين إلا بالأمن أو بالطعام و ذلك ربما أخذ اقتباسا دلاليا للمعنى في قول الله تعالى في سورة قريش ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) فكيف لخائف جائع ينتظر الموت في كل لحظة أن يستشعر الحب ؟ و في حالات الحروب عامة يتنشر الهلع و الخوف بين الجميع سواء بسواء في الفريقين مما يجعل حالة الترقب للخطر المداهم جلية في توترات نفسية و سلوكية تذهب النوم من العيون و كذلك ما يترتب على الحروب من حالات الفقر و العوز الذي يساعد على انتشار المجاعات بين الفرق المتنافسة مما يؤثر سلبا على المشاعر الإنسانية التي تنتشر طبيعيا في الأزمنة الخالية من الحروب يساعدها الأمن و الرخاء و لكن للكاتبة رأي ذو فلسفة خاصة و هي الانتصار بالحب على كل صراعات الحياة
و في فترة تاريخية حددتها الكاتبة للزمن في روايتها و هي زمن الحرب بين الدولة المملوكية و السلطنة العثمانية و ما كان منتشرا من سلب و نهب قبيل الحرب و فرار أسر بأكملها بعد تشريدها و التعرض لحرمتها من اغتصاب و قتل و غيره في جهة و في الجهة المقابلة الصراع الدموي على العرش بين الأخوة الأشقاء و مواجهات صريحة لخيانات التابعين أو اعتراضات رجال الدين أو تذمر الجند و غيرها للفوز بالسلطنة ؛ نجد فلسفة خاصة تريد الكاتبة الانتصار لها و بها و تريد أن تكون محورا لروايتها و هي فلسفة الحب بين البشر و قد أعلنت عن وجهتها تلك منذ بداية أول صفحة في الرواية ( سلام من النيل للبسفور ) و ما ذكرته على لسان السلطان سليم الأول أن سجادة صلاة واحدة تتسع الصوفيين و لكن ملك الدنيا كلها لا يتسع الا لملك واحد
و تبدأ في سرد روايتها التاريخية الرومانسية الاجتماعية بفنيات الكاتب المحترف فها هي تنتقل بالحدث من مصر لتركيا و من حي الأزهر لإسطنبول في توازن و توازي و وصف على لسان راو لا يحدث المتلقي قدر ما يحدث أبطال الرواية و كأنه صوت داخلي واحد يسير في جميع الشخوص و منذ المشهد الأول لتلك اللوحات الفنية التي تصفها سردا لتصب الحياة في الشخصية على الورق فتتحرك أمام القارئ مفعمة بالحياة و نكاد نراها و نستشعر ما يعج بداخلها من مشاعر متباينة فنجد البطل الرئيس في الرواية و الذي من اسمه سميت ( يعدل عمامته ليسير بابتسامة يألفها الجميع و ينتظرون ردها لتدب الحياة بينهم بتحية الصباح )
ذلك الذي امتلك ناصية قلوب البشر في منطقة الأزهر بالقاهرة فكيف به مع زوجة يعشقها و ولد وحيد هو أمله في الحياة ؟ و أخذت من صفة الاسم الكثير لتضيفه للشخصية نفسها فهو (جابر ) يجبر بخاطر كل من يقصده جابر بقلب تلك الصبية الصغيرة التي تزوجها جابر بقلب الفارين من ويلات الحروب جابر بقلب المحارب الأجنبي الذي يعاني وحشة الاغتراب عن أسرته .... و كأنه البلسم الشافي لكل هؤلاء بلمسة الحب التي تشع من ابتسامته
و ليس كل من يكتب الرواية التاريخية يجيدها فنيا فالأديب ليس مؤرخا و لكنه يحاسب لو أخطأ في الأحداث التاريخية أو اغفلها و لكنه لابد له من سمات و فنيات العمل الأدبي الذي يسير متوازيا مع الحدث التاريخي فنجد الأماكن و الأزمنة و الأحداث كما وردت تاريخيا بشخوصها مع سرد أدبي يصل بالوصف لنفس مستوى رسم الشخصيات الخيالية التي ابتدعها المؤلف ليلقي بها في غمار الزمان و المكان دون إقحام للتاريخ أو تبديل حدث بأخر أو شخصية تاريخية بغيرها في حرفية عالية فنجد التعامل النفسي مع شخصيات الأمراء المماليك و كل أمير منهم بما يتناسب مع شخصيته التاريخية و ما حدث منه بمبرر درامي مناسب و رجال البلاط العثماني و صراعات كل فريق و خططه و نتائج و مواقع المعارك بنفس التنامي الشخصيات الخيالية و المعالجة النفسية لكل شخصية ممن لم يذكر التاريخ عنهم سوى انتصارات أو هزائم و ربطها بالواقع الفعلي لأحداث أثرت في الحضارات الإنسانية لتجعل رسالتها الأساسية في الرواية انتصارا للحب في مواجهة الحروب والصراعات مهما اختلفت أهدافها فلكل حرب و لو كان المحارب منتصرا ضحايا من قتلى و مصابين
لعبت الكاتبة على وتر الحب بين كل شخوص روايتها الذين تم إضافتهم التاريخي بإبداعها لهم بداية من جابر و زينب و قصة الحب و الوفاء بينهما و عطفهما على كل من يحتاج إلى العطف و الحب من البشر رغم عدم سابق تعارف أو صلة وفي المقابل أصلان و مهتاب رغم عدم تصريحه بحبها و التعلق الوجداني بين فرحات و زوجته بابنة جارهما و تعلق البنت بأبوين أخرين رغم وجود الأب و الأم و تلك اللمحة التي أشارت إلى الحب الإنساني في علاقة جابر بفيليب و رفاقه من معتنقي الديانات الأخرى لتؤكد على أن الحب هو الانتصار الحقيقي للبشر فبالحب صار للبطل مملكته و رعاياه في اسطنبول والقاهرة رغم موت من أخذ العرش بالحرب و و جعل احتفالات النصر يجاورها أنين اليتامى و بكاء الأرامل
كذلك الاغتراب النفسي لدى الشخصيات جميعها كأنها فرقة موسيقية تعزف لحنا واحدا تموج أنغامه حنينا للعودة فالجنود في اغتراب لا يعرفون متى العودة منه و السلاطين و الأمراء في اغتراب الصراع و الخوف من الأتي لا ينعمون بسلطتهم و البسطاء في اغتراب مع النفس و الحاجة و لا شأن لهم بصراعات الأمراء إلا خوفا من تأثر معيشتهم و هروبهم من مكان لأخر و لكن من أجبر على الاغتراب و في صدره الانتصار بالحب و للحب بدد كل صراعات الاغتراب النفسي و عاد ليجد ثمار الحب التي بذرها قد أينعت في شاب يحمل كل صفات البطل و البطلة بل أخذ الاسم أيضا في نداء البعض ليبدأ رحلة المستقبل دون إرغام عليها ليعود بحب جديد يستكمل الحياة به بين صراعات تاريخية جديدة و حروب لا تنتهي إلا عندما يعيش الجميع بقلب أيقن أن الانتصار الحقيقي هو الحب و فقط
كل التقدير للمبدعة التي تغلبت على كل عقبات التأريخ لحقبة زمنية بالانتصار للحب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق