جديد جديد

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

فلسفة المشاعر بين الحب و الحرب قراءة في رواية جابر للأديبة نجلاء محرم بقلم جابر الزهيري


فلسفة المشاعر بين الحب و الحرب
قراءة في رواية جابر للأديبة نجلاء محرم

بقلم جابر الزهيري
عضو اتحاد كتاب مصر

قيل أن النوم يصعب على نوعين من البشر هما الخائف و الجائع فلا يستقر لهما جفن و لا تقر عين إلا بالأمن أو بالطعام و ذلك ربما أخذ اقتباسا دلاليا للمعنى في قول الله تعالى في سورة قريش ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) فكيف لخائف جائع ينتظر الموت في كل لحظة أن يستشعر الحب ؟ و في حالات الحروب عامة يتنشر الهلع و الخوف بين الجميع سواء بسواء في الفريقين مما يجعل حالة الترقب للخطر المداهم جلية في توترات نفسية و سلوكية تذهب النوم من العيون و كذلك ما يترتب على الحروب من حالات الفقر و العوز الذي يساعد على انتشار المجاعات بين الفرق المتنافسة مما يؤثر سلبا على المشاعر الإنسانية التي تنتشر طبيعيا في الأزمنة الخالية من الحروب يساعدها الأمن و الرخاء و لكن للكاتبة رأي ذو فلسفة خاصة و هي الانتصار بالحب على كل صراعات الحياة
و في فترة تاريخية حددتها الكاتبة للزمن في روايتها و هي زمن الحرب بين الدولة المملوكية و السلطنة العثمانية و ما كان منتشرا من سلب و نهب قبيل الحرب و فرار أسر بأكملها بعد تشريدها و التعرض لحرمتها من اغتصاب و قتل و غيره في جهة و في الجهة المقابلة الصراع الدموي على العرش بين الأخوة الأشقاء و مواجهات صريحة لخيانات التابعين أو اعتراضات رجال الدين أو تذمر الجند و غيرها للفوز بالسلطنة ؛ نجد فلسفة خاصة تريد الكاتبة الانتصار لها و بها و تريد أن تكون محورا لروايتها و هي فلسفة الحب بين البشر و قد أعلنت عن وجهتها تلك منذ بداية أول صفحة في الرواية ( سلام من النيل للبسفور ) و ما ذكرته على لسان السلطان سليم الأول أن سجادة صلاة واحدة تتسع الصوفيين و لكن ملك الدنيا كلها لا يتسع الا لملك واحد
و تبدأ في سرد روايتها التاريخية الرومانسية الاجتماعية بفنيات الكاتب المحترف فها هي تنتقل بالحدث من مصر لتركيا و من حي الأزهر لإسطنبول في توازن و توازي و وصف على لسان راو لا يحدث المتلقي قدر ما يحدث أبطال الرواية و كأنه صوت داخلي واحد يسير في جميع الشخوص و منذ المشهد الأول لتلك اللوحات الفنية التي تصفها سردا لتصب الحياة في الشخصية على الورق فتتحرك أمام القارئ مفعمة بالحياة و نكاد نراها و نستشعر ما يعج بداخلها من مشاعر متباينة فنجد البطل الرئيس في الرواية و الذي من اسمه سميت ( يعدل عمامته ليسير بابتسامة يألفها الجميع و ينتظرون ردها لتدب الحياة بينهم بتحية الصباح )
ذلك الذي امتلك ناصية قلوب البشر في منطقة الأزهر بالقاهرة فكيف به مع زوجة يعشقها و ولد وحيد هو أمله في الحياة ؟ و أخذت من صفة الاسم الكثير لتضيفه للشخصية نفسها فهو (جابر ) يجبر بخاطر كل من يقصده جابر بقلب تلك الصبية الصغيرة التي تزوجها جابر بقلب الفارين من ويلات الحروب جابر بقلب المحارب الأجنبي الذي يعاني وحشة الاغتراب عن أسرته .... و كأنه البلسم الشافي لكل هؤلاء بلمسة الحب التي تشع من ابتسامته
و ليس كل من يكتب الرواية التاريخية يجيدها فنيا فالأديب ليس مؤرخا و لكنه يحاسب لو أخطأ في الأحداث التاريخية أو اغفلها و لكنه لابد له من سمات و فنيات العمل الأدبي الذي يسير متوازيا مع الحدث التاريخي فنجد الأماكن و الأزمنة و الأحداث كما وردت تاريخيا بشخوصها مع سرد أدبي يصل بالوصف لنفس مستوى رسم الشخصيات الخيالية التي ابتدعها المؤلف ليلقي بها في غمار الزمان و المكان دون إقحام للتاريخ أو تبديل حدث بأخر أو شخصية تاريخية بغيرها في حرفية عالية فنجد التعامل النفسي مع شخصيات الأمراء المماليك و كل أمير منهم بما يتناسب مع شخصيته التاريخية و ما حدث منه بمبرر درامي مناسب و رجال البلاط العثماني و صراعات كل فريق و خططه و نتائج و مواقع المعارك بنفس التنامي الشخصيات الخيالية و المعالجة النفسية لكل شخصية ممن لم يذكر التاريخ عنهم سوى انتصارات أو هزائم و ربطها بالواقع الفعلي لأحداث أثرت في الحضارات الإنسانية لتجعل رسالتها الأساسية في الرواية انتصارا للحب في مواجهة الحروب والصراعات مهما اختلفت أهدافها فلكل حرب و لو كان المحارب منتصرا ضحايا من قتلى و مصابين
لعبت الكاتبة على وتر الحب بين كل شخوص روايتها الذين تم إضافتهم التاريخي بإبداعها لهم بداية من جابر و زينب و قصة الحب و الوفاء بينهما و عطفهما على كل من يحتاج إلى العطف و الحب من البشر رغم عدم سابق تعارف أو صلة وفي المقابل أصلان و مهتاب رغم عدم تصريحه بحبها و التعلق الوجداني بين فرحات و زوجته بابنة جارهما و تعلق البنت بأبوين أخرين رغم وجود الأب و الأم و تلك اللمحة التي أشارت إلى الحب الإنساني في علاقة جابر بفيليب و رفاقه من معتنقي الديانات الأخرى لتؤكد على أن الحب هو الانتصار الحقيقي للبشر فبالحب صار للبطل مملكته و رعاياه في اسطنبول والقاهرة رغم موت من أخذ العرش بالحرب و و جعل احتفالات النصر يجاورها أنين اليتامى و بكاء الأرامل
كذلك الاغتراب النفسي لدى الشخصيات جميعها كأنها فرقة موسيقية تعزف لحنا واحدا تموج أنغامه حنينا للعودة فالجنود في اغتراب لا يعرفون متى العودة منه و السلاطين و الأمراء في اغتراب الصراع و الخوف من الأتي لا ينعمون بسلطتهم و البسطاء في اغتراب مع النفس و الحاجة و لا شأن لهم بصراعات الأمراء إلا خوفا من تأثر معيشتهم و هروبهم من مكان لأخر و لكن من أجبر على الاغتراب و في صدره الانتصار بالحب و للحب بدد كل صراعات الاغتراب النفسي و عاد ليجد ثمار الحب التي بذرها قد أينعت في شاب يحمل كل صفات البطل و البطلة بل أخذ الاسم أيضا في نداء البعض ليبدأ رحلة المستقبل دون إرغام عليها ليعود بحب جديد يستكمل الحياة به بين صراعات تاريخية جديدة و حروب لا تنتهي إلا عندما يعيش الجميع بقلب أيقن أن الانتصار الحقيقي هو الحب و فقط
كل التقدير للمبدعة التي تغلبت على كل عقبات التأريخ لحقبة زمنية بالانتصار للحب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق